سراب التنمية الفلسطينية... تقويض مؤسساتي وتكريس لواقع الإحتلال
لعبت منظمات المجتمع المدني غير الحكومية قبل قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 دوراً أساسياً في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني في ظل غياب الدولة بمختلف الاوضاع السياسية والاجتماعية وفقاً للإمكانيات المتاحة على مر عصور الثورة الفلسطينية وذلك بناء على أشكال الدعم المختلفة التي تلقتها عربياً ودولياً. وتنوع عمل مؤسسات المجتمع المدني في قطاعات متعددة مثل الصحة والزراعة والتعليم والتوعية السياسية والقانونية، كما نفذت العديد من برامج طارئة وإغاثة شملت أنشطة ضغط ومناصرة لكثير من القضايا، التي تهم شرائح المجتمع المهمشة وتلامس احتياجتهم.
ولاشك أن المنظمات الأهلية الفلسطينية تواجه تحديات عديدة، من أبرزها: ضعف البنى التنظيمية والمهنية ومشاكل داخلية في الانظمة واللوائح وضعف في الهياكل التنظيمة ومركزية القيادة الداخلية، علاوة على توسعة المشاركة المجتمعية والشعبية والفئات المستفيدة، وضعف الشفافية وتراجع ممارسة العمل التطوعي وضعف تبني الاولويات التنموية الوطنية.
كما لا يمكن تجاهل عرقلة الاحتلال لتنفيذ برامجها ومشاريعها أو إغلاق بعض منها، بالإضافة إلى الشروط التي تطلبها الجهات الممولة على غرار "نبذ الإرهاب". وفضلاً عن ذلك تشكل المنافسة مع السلطة الفلسطينية على الحصول على مصادر الدعم إشكالية كبيرة للعمل التنموي. وتأتي هذه التحديات في ظل غياب السلطة التشريعية وتزايد الازمات الحقيقة داخل المجتمع الفلسطيني من بطالة وفقر وغيرها.
[مشاريع تنموية ألمانية في الأراضي الفلسطينية ]
دور توعوي لمؤسسات المجتمع المدني
ويشبه حنا عيسى، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس المفتوحة في رام الله، في حديث مع موقع قنطرة العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية كأنهما "جسمان في روح واحد كل يؤدي مهامه في طريقته ورؤيته الخاصة والاستراتيجية المتبعة، فقد ساعدت هذه المؤسسات قبل عام 1967 المجتمع الفلسطيني على مدار مراحل الثورة الفلسطينية. لكن بعد قدوم السلطة 1994 اختلفت المهمات وواظبت على خدمة المجتمع. كما ساهمت في توسيع مفاهيم المشاركة السياسية والعملية الانتخابية في 1996 و2006 إضافة إلى انتخاب الهيئات المحلية والمجالس البلدية".
ويضيف الأستاذ عيسى أن "مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، التي يبلغ عددها حوالي خمسة ألاف منظمة، تلعب دوراً توعوياً في مجالات متعددة مثل حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والنوع الاجتماعي والحكم الرشيد وقضايا الديمقراطية. وتقدر دخل برامجها المنفذة بنحو سبعمائة مليون دولار".
كما نوه الخبير القانوني عيسى إلى أن "بعض الدول المانحة تفرض شروطاً على المؤسسات الفلسطينية مثل بند مكافحة محاربة الارهاب لدى وكالة التنمية الأمريكية، والى أن مؤسسات المجتمع المدني في القدس تواجه تحديات من قبل الجانب الاسرائيلي يحد من نطاق عملها في إطار العمل التوعوي في مجالات الشباب المراة ومبادئ الحكم الرشيد". كما يرى أن "المواطن الفلسطيني لا يشعر بالرضا الكافي تجاه هذه المخرجات المنفذة، فهي لا تلبي احتياجاته الحقيقية مثل مشاريع بنى تحتية وخلق مزيد من فرص العمل ومزيد من المتابعة من قبل وزارات ذات العلاقة، فالمناطق المصنفة بـ"ج" حسب اتفاقية أوسلو تخضع لسيطرة الجانب الإسرائيلي وبالتالي تحد من اطار سيطرة السلطة الفلسيطينية ودورها الرقابي على أداء المنظمات الأهلية في هذه المناطق".
[كتاب "فلسطين وطن للبيع" للكاتب خليل نخلة يتصدى لمقولة التنمية في فلسطين]
فشل مؤسسات المجتمع المدني في دعم التنمية التحررية
وفي المقابل يقيم الخبير التنموي السابق خليل نخلة، الذي أمضى عشرات السنيين في العمل داخل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، أداء هذه المنظمات بأنها "جاءت لتكريس اتفاقية اوسلو وليس لتعزيز التنمية التحررية المرتكزة على الناس".
ويعتبر الخبير نخلة أن هذه "التسوية السلمية غير عادلة، لأنها تذعن لأجندة إسرائيل والغرب والنتيجة هي كيان سيادي صوري، فلا يوجد تنمية تحررية ترتكز على الناس، التي تهدف الى تحرير عقولهم واجسادهم من الظلم الخارجي والسيطرة والهيمنة وتسعى لتوفير الأدوات اللازمة إلى تحقيق المساواة الفعلية والحقيقية بين المواطنين من خلال توفير البرامج اللازمة". ويرى الخبير التنموي أنه منذ قدوم السلطة الفلسطينية وتعاون المستثمرين الفلسطينيين في قطاع التنمية لم يتم الدفع باتجاه التنمية التحريرية للمواطنين علاوة عن توزيع الاموال الممنوحة بطريقة غير متكافئة تدعم فريق على حساب الآخر". ويرى نخلة أن "التحالف الثلاثي" غير الرسمي المكون من النخبة السياسية الرأسمالية الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية التنموية غير الحكومية ووكالات المساعدات العابرة للحدود الوطنية يعيق إقامة التنمية التحررية المرتكزة على الناس".
كما يعتقد أن لتنمية الحقيقة تكتمل إذا تحققت الأهداف الرئيسية لتدخلات التنمية التحررية وهي: "تمكين الأفراد الفلسطينيين، والمجتمعات المحلية والمجتمع بأسره، من خلال توفير الموارد النوعية الضرورية والمهارات والوعي بشرعيتهما، والمقاومة والثقة، تحسين الظروف المعيشية للناس نوعيا وعلى نحو مستدام حماية الحقوق الأساسية للناس والاجتماعية منها والثقافية والإقتصادية، والمكاشفة العلنية بأن جميع “المساعدات" الدولية، التي تدفقت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1994 كانت مساعدات سياسية غير تنموية، بمعنى أن هدفها العام كان دائماً، ومنذ البداية، ضمان نجاح وإستمرارية عملية أوسلو السياسية".
ويعتبر الخبير الدولي نخلة المشاريع، التي تنفذها مؤسسات المجتمع المدني هي إستهلاكية وتهدف ترسيخ واقع الاحتلال ولكن تحت مسميات مختلفة فمناطق السلطة الفلسطينية في العام 2006 تعتبر أكثر بلدان العالم اعتماداً على المساعدات الدولية، وقد عززت الولايات المتحدة بشكل كبير مستويات السلطة الفلسطينية وأعادت برمجة ما يقرب من 2 مليار دولار عام 2007 بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وعملت على تحفيز نظام السوق الحر وتقديم عروض جذابة للشركات ووكالات التمويل الحكومية العابرة للحدود حيث أن وكالات التمويل العابرة للحدود تعهدت بضخ أموال تزيد نسبتها بـ 37% عن الميزانية التي طلبتها الحكومة.
وتبقى تطلعات المواطن الفلسطيني جمة في ظل الجهود، التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص لتعزيز صمودهم، وهو ما يمثل في الواقع تحدياً حقيقياً في ظل التساؤلات المطروحة حول جدوى المشاريع التنموية في الأراضي الفلسطينية.
[يعاد نشره ضمن اتفاقية تعاون بين "جدلية" و"قنطرة"]